تحول نهائي كأس الجمهورية الذي جمع يوم السبت الفارط فريقي وفاق سطيف وشباب باتنة بملعب 5 جويلية، إلى حدث سياسي مهم، أفقد اللقاء الكروي قيمته، رغم الفوز المستحق للوفاق والفرحة التي صنعها لأنصاره، وذلك بسبب الحضور المميز لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والطريقة الملفتة التي ظهر بها منذ وطأت قدماه الملعب، بتجاوزه لتقاليد وبروتكول النشاطات الرسمية التي دأب على احترامها.
في مثل هذه المناسبات، وبالذات في هذا الحدث الرياضي الذي أشرف عليه تسع مرات على التوالي منذ توليه مقاليد حكم البلاد، ما ترك الانطباع يسود حول رسائل أراد الرئيس تمريرها في هذا المناسبة، لا تحتاج إلى كثير من الفهم والقراءة. فقد بدا واضحا أن رئيس الجمهورية في هذا اللقاء الكروي خرج عن عادته، متخليا عن بعض البروتوكولات التي كان يلتزم بها كلما دخل ملعب 5 جويلية، باعتباره يقوم بنشاط رسمي، فظهوره أمام كاميرات التلفزيون هذه المرة وتعد الأولى، وهو مرفوقا بابني شقيقه عند مدخل الملعب، ولم يكن في استقباله سوى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع عبد المالك قنايزية ومجموعة من المسؤولين في الجيش الشعبي الوطني، في غياب رئيس الوزراء أحمد أويحيى وطاقمه الحكومي الذين يفترض بهم استقباله ومصافحته كما جرت العادة، يترجم وجود خلل ما أو انزعاج بوتفليقة من أمر ما، فطيلة أكثر من ساعتين قضاها في الملعب، جلس بالمدرج الرسمي محاطا بحرسه الشخصي وأحد مستشاريه فقط، وعلى بعد خطوات منه، جلس أويحيى دون تبادل أية كلمات معه، بل لم تلاحظ أية التفاتة بين الرجلين. أما الطاقم الحكومي، فكان متواجدا في جانب آخر وراء الرئيس، وهو أمر غير معهود، ولم تلتقط لهم كاميرا التلفزيون الحكومي أية صورة، أضف إلى ذلك تسجيل غياب عبد العزيز عبد الخادم الممثل الشخصي للرئيس، وشكيب خليل وزير الطاقة والمناجم، وهو غياب بررته بعض الأطراف بغضب الرئيس من الوزيرين. فبالنسبة للأول، تسربت أخبار تقول إن بوتفليقة لم يهضم بعد ما حدث في المؤتمر الـ9 لجبهة التحرير الوطني، وقرارات الإبعاد والتهميش التي طالت عددا من الأسماء الثقيلة في الحزب. أما بالنسبة لشكيب خليل، فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى جهود لتفسير غيابه، ويتعلق بالتداعيات الثقيلة لفضيحة سوناطراك، وفشل قمة الغاز بوهران التي كان من المفروض أن يفتتحها الرئيس. لكن الشيء الذي أثار الاستغراب هو الغياب الواضح لأهم الوزراء الذين لم يدخلوا بعد قائمة الوزراء المغضوب عليهم، وهو نور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية والجماعات المحلية، الغياب الذي لم يلق بعد أي تفسير.
انعزال الرئيس بهذا الشكل عن أعضاء الحكومة وعدم مصافحتهم ولا حتى تبادل أطراف الحديث معهم، خاصة مع الوزير المعني بالمناسبة وهو الهاشمي جيار وزير الشباب والرياضة، فتح المجال للتشكيك في متانة العلاقة التي تربط بوتفليقة بالجهاز التنفيذي، وترجم بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالرئيس لم يجتمع بمجلس الوزراء منذ 30 ديسمبر الفارط، ولم يجر أية تعديلات وزارية رغم سوء التسيير والفضائح التي طالت أغلب القطاعات، والتي كان هو شخصيا قد أمر بفتح تحقيقات حولها، فضلا عن الغليان الذي تعيشه الجبهة الاجتماعية، والكثير من المسائل التي أثبت عجز الحكومة في حلها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
ولا يمكن تفويت تغطية التلفزيون الجزائري لمقابلة كأس الجمهورية على أنها نشاط رئاسي وليس حدثا رياضيا، فالتغطية هذه المرة كانت مختلفة تماما، بالتركيز على تصوير الرئيس دون بقية المسؤولين الحكوميين، منذ دخوله الملعب وفي أثناء تسليمه الميداليات والكأس ثم خروجه منفردا مطوقا بحرسه بعد تحية الجمهور. كما أن تعليق التلفزيون وضع نتيجة اللقاء في درجة ثانية، وأعطى حيزا كبيرا لإشراف الرئيس عليها. أما التحية التي ألقاها بوتفليقة على الجمهور قبل مغادرته، فبدورها كانت تحمل رسالة هامة. فعندما أشار بيده إلى كأس الجمهورية المقبلة، فكان يعني انه سيشرف عليها السنة المقبلة ولا يوجد ما يمنعه من ذلك، وهذه رسالة أراد عبرها تبديد الإشاعات التي لازالت تلاحقه حول حالته الصحية. ولعل تغطية التلفزيون بهذا الشكل لمباراة الكأس، كان مقصودا به أشياء أخرى، أهمها الرد على بعض الصحف الأجنبية والوطنية التي أعادت إلى الواجهة موضوع غياب الرئيس عن العديد من النشاطات الداخلية والخارجية كان يفترض ألا يغيب عنها كما هو معهود، وعلى رأس هذه الصحف ما كتبته جريدة لوموند الفرنسية في عدد السبت الماضي المصادف، لمباراة كأس الجمهورية، متسائلة: "أين اختفى الرئيس الجزائري؟".
كما أن هذا الوجه الجديد الذي ظهر به الرئيس، وهو مرفوق على غير العادة بابني شقيقه، يعتقد أن له علاقة بمسألة التوريث، فمن خلال إبراز "الطفلين بوتفليقة" يخرجان من السيارة باتجاه الملعب لمتابعة المباراة النهائية، تبدو الرسالة الأخرى التي أراد القاضي الأول في البلاد تمريرها للرأي العام، ومفادها أن ظهور أحد أفراد عائلته إلى جانبه لا يعني أبدا أنه يفكر في توريثهم الحكم، والمقصود هنا هو شقيقه ومستشاره السعيد. ومن زاوية أخرى، يعتبر هذا الظهور العائلي تبريرا للزيارة العائلية التي نظمها على شرف لاعب كرة القدم الفرنسي الجزائري الأصل زين الدين زيدان يوم 3 مارس الماضي، وهي الأولى من نوعها، فربما يريد الرئيس إرساء تقاليد جديدة في حياته الرئاسية، على غرار بقية رؤساء الدول المتقدمة الذين يظهرون بعضا من أفراد عائلاتهم أثناء نشاطاتهم، خاصة أن الحياة الخاصة للرئيس لا تزال طابو في حجم ومستوى قضايا المساس بأمن الدولة.
كريمة بوعباش الخبر الاسبوعي
في مثل هذه المناسبات، وبالذات في هذا الحدث الرياضي الذي أشرف عليه تسع مرات على التوالي منذ توليه مقاليد حكم البلاد، ما ترك الانطباع يسود حول رسائل أراد الرئيس تمريرها في هذا المناسبة، لا تحتاج إلى كثير من الفهم والقراءة. فقد بدا واضحا أن رئيس الجمهورية في هذا اللقاء الكروي خرج عن عادته، متخليا عن بعض البروتوكولات التي كان يلتزم بها كلما دخل ملعب 5 جويلية، باعتباره يقوم بنشاط رسمي، فظهوره أمام كاميرات التلفزيون هذه المرة وتعد الأولى، وهو مرفوقا بابني شقيقه عند مدخل الملعب، ولم يكن في استقباله سوى الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع عبد المالك قنايزية ومجموعة من المسؤولين في الجيش الشعبي الوطني، في غياب رئيس الوزراء أحمد أويحيى وطاقمه الحكومي الذين يفترض بهم استقباله ومصافحته كما جرت العادة، يترجم وجود خلل ما أو انزعاج بوتفليقة من أمر ما، فطيلة أكثر من ساعتين قضاها في الملعب، جلس بالمدرج الرسمي محاطا بحرسه الشخصي وأحد مستشاريه فقط، وعلى بعد خطوات منه، جلس أويحيى دون تبادل أية كلمات معه، بل لم تلاحظ أية التفاتة بين الرجلين. أما الطاقم الحكومي، فكان متواجدا في جانب آخر وراء الرئيس، وهو أمر غير معهود، ولم تلتقط لهم كاميرا التلفزيون الحكومي أية صورة، أضف إلى ذلك تسجيل غياب عبد العزيز عبد الخادم الممثل الشخصي للرئيس، وشكيب خليل وزير الطاقة والمناجم، وهو غياب بررته بعض الأطراف بغضب الرئيس من الوزيرين. فبالنسبة للأول، تسربت أخبار تقول إن بوتفليقة لم يهضم بعد ما حدث في المؤتمر الـ9 لجبهة التحرير الوطني، وقرارات الإبعاد والتهميش التي طالت عددا من الأسماء الثقيلة في الحزب. أما بالنسبة لشكيب خليل، فالأمر واضح، ولا يحتاج إلى جهود لتفسير غيابه، ويتعلق بالتداعيات الثقيلة لفضيحة سوناطراك، وفشل قمة الغاز بوهران التي كان من المفروض أن يفتتحها الرئيس. لكن الشيء الذي أثار الاستغراب هو الغياب الواضح لأهم الوزراء الذين لم يدخلوا بعد قائمة الوزراء المغضوب عليهم، وهو نور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية والجماعات المحلية، الغياب الذي لم يلق بعد أي تفسير.
انعزال الرئيس بهذا الشكل عن أعضاء الحكومة وعدم مصافحتهم ولا حتى تبادل أطراف الحديث معهم، خاصة مع الوزير المعني بالمناسبة وهو الهاشمي جيار وزير الشباب والرياضة، فتح المجال للتشكيك في متانة العلاقة التي تربط بوتفليقة بالجهاز التنفيذي، وترجم بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالرئيس لم يجتمع بمجلس الوزراء منذ 30 ديسمبر الفارط، ولم يجر أية تعديلات وزارية رغم سوء التسيير والفضائح التي طالت أغلب القطاعات، والتي كان هو شخصيا قد أمر بفتح تحقيقات حولها، فضلا عن الغليان الذي تعيشه الجبهة الاجتماعية، والكثير من المسائل التي أثبت عجز الحكومة في حلها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
ولا يمكن تفويت تغطية التلفزيون الجزائري لمقابلة كأس الجمهورية على أنها نشاط رئاسي وليس حدثا رياضيا، فالتغطية هذه المرة كانت مختلفة تماما، بالتركيز على تصوير الرئيس دون بقية المسؤولين الحكوميين، منذ دخوله الملعب وفي أثناء تسليمه الميداليات والكأس ثم خروجه منفردا مطوقا بحرسه بعد تحية الجمهور. كما أن تعليق التلفزيون وضع نتيجة اللقاء في درجة ثانية، وأعطى حيزا كبيرا لإشراف الرئيس عليها. أما التحية التي ألقاها بوتفليقة على الجمهور قبل مغادرته، فبدورها كانت تحمل رسالة هامة. فعندما أشار بيده إلى كأس الجمهورية المقبلة، فكان يعني انه سيشرف عليها السنة المقبلة ولا يوجد ما يمنعه من ذلك، وهذه رسالة أراد عبرها تبديد الإشاعات التي لازالت تلاحقه حول حالته الصحية. ولعل تغطية التلفزيون بهذا الشكل لمباراة الكأس، كان مقصودا به أشياء أخرى، أهمها الرد على بعض الصحف الأجنبية والوطنية التي أعادت إلى الواجهة موضوع غياب الرئيس عن العديد من النشاطات الداخلية والخارجية كان يفترض ألا يغيب عنها كما هو معهود، وعلى رأس هذه الصحف ما كتبته جريدة لوموند الفرنسية في عدد السبت الماضي المصادف، لمباراة كأس الجمهورية، متسائلة: "أين اختفى الرئيس الجزائري؟".
كما أن هذا الوجه الجديد الذي ظهر به الرئيس، وهو مرفوق على غير العادة بابني شقيقه، يعتقد أن له علاقة بمسألة التوريث، فمن خلال إبراز "الطفلين بوتفليقة" يخرجان من السيارة باتجاه الملعب لمتابعة المباراة النهائية، تبدو الرسالة الأخرى التي أراد القاضي الأول في البلاد تمريرها للرأي العام، ومفادها أن ظهور أحد أفراد عائلته إلى جانبه لا يعني أبدا أنه يفكر في توريثهم الحكم، والمقصود هنا هو شقيقه ومستشاره السعيد. ومن زاوية أخرى، يعتبر هذا الظهور العائلي تبريرا للزيارة العائلية التي نظمها على شرف لاعب كرة القدم الفرنسي الجزائري الأصل زين الدين زيدان يوم 3 مارس الماضي، وهي الأولى من نوعها، فربما يريد الرئيس إرساء تقاليد جديدة في حياته الرئاسية، على غرار بقية رؤساء الدول المتقدمة الذين يظهرون بعضا من أفراد عائلاتهم أثناء نشاطاتهم، خاصة أن الحياة الخاصة للرئيس لا تزال طابو في حجم ومستوى قضايا المساس بأمن الدولة.
كريمة بوعباش الخبر الاسبوعي